بلدية قب الياس - وادي الدلم

التاريخ

من «كب هليوس» الى «قب الياس» قب الياس، بلدة عريقة في التاريخ، تضاهي أقدم المدن بكنوزها القديمة… المغاور المحفورة على ضفتي نهرها لا تخلو من لمسات الإنسان الأول، فضلاً عن النواويس الحجرية وبلاط الرخام وقطع العملة الفينيقية التي وجدت في منطقة الشوشان، والآثار الكثيرة التي بقيت خالدة على مرّ العصور… كل ذلك يجعل البلدة أحد أبرز المراكز الأثرية في لبنان.

تتجلّى الأهمية التاريخية لبلدة «قب الياس» في كثرة المصادر التي تحدثت عن تسميتها وأصول هذه التسمية وتطورها عبر التاريخ. فقد ورد في كتاب المؤرخ أيّوب سميا إبن قب الياس، أن أصل كلمة قب الياس يعود الى لفظة رومانية وهي مشتقة من كلمتين: «كب» و«هليوس»، وتعني «المدينة المواجهة للشمس»، وهذا ما يميز البلدة من حيث موقعها الجغرافي الرابض على تلة مشرفة في مواجهة الشمس من مشرقها الى مغربها.
واستناداً لدراسات تاريخية، فإن البنيان في قب الياس يعود في قدمه الى العصر الفينيقي حين كانت تعرف باسم «شوشن» نسبة الى زهرة السوسن البيضاء التي كانت تملأ أراضي البلدة. وقد جرى تعريب اللفظة «شوشن» بإبدال الشين سيناً فأصبحت كما هي معروفة اليوم؛ كما عرفت البلدة باسمها القديم نسبة الى قصر شوشان الذي بناه نبوخذ نصر الكبير ملك أشور، في البلدة.
وعندما قدم الإغريق الى شوشان سمّوا المدينة بإسم مينموزينا، وكانت عندهم آلهة الذاكرة والتأمل؛ إلا أن الآراميين إستعادوا إسم البلدة الآرامي «شوشان»، واعتمدوه. وفي عهد الدولة الأموية، ذكرها المؤرخون العرب بإسم «المروج» لكثرة المروج المحيطة بها. وفي العهد العثماني صار إسم «قب الياس» هو الغالب.
MSI
وتذكر بعض المراجع التاريخية أن إسم «قب الياس» يعود الى العهد الفينيقي، وذلك نسبة الى البعل الفينيقي إله الخصب المعروف باسم «الياس». لكن آخرين يردون التسمية الى إسم زعيم عشيرة العمور وهو «الياس بن نزار بن معد بن عدنان»، وينسبها بعضهم الى النبي الياس الذي أقام له الأمبراطور قسطنطين مقاماً في البلدة.
أما بعضهم فيقول أن أصلها هو «قبر الياس» نسبة الى قبر المقدّم الياس المدفون فيها على حد قول الأمير حيدر الشهابي.

معبد الشمس
من آثار العهد الروماني، تنتصب في قب الياس منحوتة في صخرة شاهقة يطلق عليها اليوم إسم «حيدرة»، وكانت معبداً لإله الشمس، حيث زود الحجر بمرايا تعكس أشعة الشمس كل شروق. وتتألف المنحوتة من ثلاثة أبواب بينها فراغ ضيّق، كانت توضع فيها أصنام حجرية؛ وفي أسفلها مدرّج يعرف بإسم سهل المزينة، كان الأقدمون يرقبون منه بزوغ الشمس إبتهالاً بنورها العظيم.
وفي دراسات تاريخية أخرى، يقال أن الإغريق، عندما قدموا الى المنطقة، حفروا في السفح الشرقي لجبل حيدرة معبداً للآلهة «مينموزينا»، وبنوا منازلهم أسفل سفح ذلك الجبل. والدليل على ذلك، هو العثور أثناء الحفر في المنطقة، على أوان قديمة وحلىً نسائية وطاسات وفخاريات تعود الى تلك الحقبة، وهي مما يستخدم في البيوت.
القلعة المعنية
في أعالي بلدة قب الياس اليوم، تقوم آثار قلعة كان بناها الأمير فخر الدين المعني الثاني؛ وقد عمل الأتراك على هدمها وتدميرها كي لا تكون حصناً يستخدمه المقاتلون العرب لمواجهة عسكر السلطان. ويقول البعض الآخر أن تلك القلعة قد تهدّمت بفعل الزلازل حتى لم يبق منها قائماً سوى جدار شاهق ضخم، شاهداً على عظمة تاريخها. ويقال أن درجاً لولبياً كان يوجد في القلعة، وكان ينحدر نزولاً حتى رأس العين أي على عمق مئتي متر تقريباً. الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي، زار القلعة قبل خرابها، وكان ذلك في العام 1688 م. وكان وصفه لها آخر ما عرف عن هذه القلعة. وقد كتب يقول: «وجدنا في قرية قبر الياس قلعة متينة من بناء إبن معن، وخارج القلعة برج وفيه بئر ماء مردومة. ويقوم باب القلعة تجاه ذلك البرج المهدوم، وهو باب من الخشب متين لا يعمل فيه الفأس ولا القدوم، وخلف الباب دهليز طويل… وبالجملة فهي قلعة مشتملة على منابع كثيرة وأمور تدعو اليها الضرورة. وقلنا في وصفها وحسن ارتفاعها ولطفها: «وقلعةٌ قلعت عين العدو بما علت به من بروج ذات تحصين كأنها فوق قبر الياس مشرفة على جوانبـه تاج السلاطـين».
التاريخ
كذلك فقد ذكر كتاب التاريخ المدرسي أنه كان يوجد في قب الياس، قرب قلعة فخر الدين، خان بُني على الطراز السائد آنذاك، إلا أنه لم يبق من معالمه شيء. آثار أيضاً وأيضاً…. في منطقة رأس العين في خراج البلدة، توجد آثار ثبت أنها أشورية وبابلية. ومنها منحوتة صخرية تمثل صورة ثور مع أسد يحمل رأس إنسان، ومنحوتة أخرى تمثل ثلاث آلهة أشورية هي «هدهد»، و«اترغايتس»، و«سيمي اوشيما».
كذلك تم العثور على كهوف ومغاور منحوتة من العهد الأشوري، وجد بداخلها المنقبون ادوات فخارية وخزفية تعود الى تلك الحقبة. وعلى رأس بعض القمم قرب القلعة، قام شباب «قب الياس» بتركيز نصب صليب كبير، يطل من شاهقه على بيوت البلدة المتسلقة نحو الأعالي ويشرف على السفوح الصخرية، حيث يمكن مشاهدته من مسافات بعيدة.

قلب الأهراء
قيل قديماً: إن البقاع أهراءات روما، وفي هذا الإطار فإن قب الياس تحديداً، كانت قلب هذه الأهراءات. فمنذ القدم وحتى أيامنا الحاضرة ازدهرت زراعاتها وتنوّع إنتاجها بشكل كبير. وحتى خلال سنوات الحرب والفتنة، ظلّت قب الياس تمدّ المناطق بمحاصيلها الزراعية إذ تبلغ مساحة أراضيها المزروعة تسعة آلاف دونماً، أي أنها تعادل ثلاثة أرباع مساحتها الإجمالية البالغة 13 ألف دونماً.
ويعتمد الأهالي بالدرجة الأولى على زراعة الفاكهة والخضراوات والحبوب؛ وقد توسّعت زراعة الفاكهة (4500 دونماً) بعد التخلي عن زراعة الشمندر السكري بسبب تدني مدخولها. وفي الطرف الجنوبي للبلدة، يقع السوق المركزي للخضار، والذي يشكّل متنفساً تجارياً لعشرات المزارعين في منطقة البقاع الأوسط والغربي، خصوصاً وأنها تستوعب إنتاجهم من المزروعات على مساحتها البالغة 33 ألف متر مربع، داخل مشاغلها الزراعية ومتاجرها البالغة 124 متجراً. إضافة الى كونها بلدة زراعية، فإن قب الياس هي مركز لصناعات عدة؛ ففيها مصنع لتعبئة المياه من مياه النبع الذي تشتهر به البلدة. كذلك يوجد في المنطقة مصنع للأعمدة الحديدية للإنارة العامة، ومصنع للسيراميك، ومصنع للكرتون والورق المقوّى، ومعملان لصنع وتعبئة قوارير الغاز،

ومصنع لتعليب المنتوجات الزراعية، ومصنع للخمور، وحوالى 10 مصانع للأجبان والألبان. وفي البلدة أيضاً 175 مؤسسة تجارية، عدا مؤسسات السوق التجاري للفاكهة والخضار.
نهضة تربوية
أما من الناحية التربوية، فإن مدارس قب الياس الثلاث عشرة تستقطب الطلاب من البلدات المجاورة كافة لا سيما من البقاع الغربي؛ وقد استطاعت هذه المدارس رغم النقص في تجهيزاتها، أن تعطي أفضل النتائج في الإمتحانات الرسمية. والجدير ذكره أن البلدية سعت الى الحصول على موافقة وزارة التربية والتعليم العالي، بإنشاء مدرستين مهنيتين في البلدة، خصوصاً أن إحداهما ستكون الأولى من نوعها في لبنان، وستخصص للصناعات الغذائية (بموجب المرسوم رقم 4333) ومهمتها إعداد المتخصصين الفنيين في الصناعات الغذائية، بعد أن كانت هذه المهنة مصلحة متوارثة. كذلك فإن البلدة قدّمت قطعة أرض مساحتها 52 ألف متر مربع لإقامة تجمع مدارس عليها.

نشاط البلدية
في أواخر الثمانينات، حُلّت بلدية قب الياس، الى أن تمّ إنتخاب المجلس البلدي الحالي في العام 1998، والذي بدأ على الفور بالعمل على تحسين أوضاع البلدة بنواحيها كافة. ومن المشاريع التي نجحت البلدية بتنفيذها مدّ قسطل لضخ المياه من نبع رأس العين الى خزّان البلدة بسعة 6 إنشات، وتغيير شبكة المياه التي تعود الى العام 1927، وإنجاز أبنية للري الزراعي، وتأهيل وتوسيع الطرق الداخلية للبلدة وإنارتها، وتنظيم عملية رفع النفايات بشكل منتظم من أحياء البلدة كافة، وزرع نحو 3000 شجرة في أنحاء البلدة، وإستئجار مبنى خاص لإنشاء مكتبة عامة بالتعاون مع السفارة الفرنسية، فضلاً عن تزيين وتنسيق وتنظيف الطرقات والساحات أما المشاريع المستقبلية فأولها سيكون بناء المقرّ البلدي الجديد وإنشاء الحديقة العامة، وإقامة مسلخ نموذجي في إطار إستكمال خطة البلدية البيئية. كذلك تطمح البلدية لإنشاء ملعب رياضي بلدي لمختلف أنواع النشاطات الرياضية والترفيهية وتأمل فعاليات قب الياس أن تحل مشكلة الكسارات في سفح الجبل، ويجري منع التعديات على حرم القلعة وتعزيز قطاع الخدمات كالمصرف ومركز الشرطة، وتأمل البلدية في إقامة بناء مستشفى متطوّر يستفيد منه أبناء بلدة قب الياس وأبناء البلدات المجاورة

تواصل معنا

إنضم إلى نشرتنا الإخبارية
أرسل